أنهآر – متابعات :
– سعاد الصباح: لم أكن أتصور أننا لم نتجاوز تلك النقطة التي وقفنا عندها منذ 50 عامًا
تعقدك الدهشة ما أن تفرغ من قراءة كتاب الدكتورة سعاد الصباح (استراحة الخميس)، الصادر حديثا عن دار سعاد الصباح للثقافة والابداع، وتتساءل: هل ندور في حلقة مفرغة؟ قبل أن يتبادر إلى ذهنك ادعاء وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان: “العرب لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون”.
فعلى الرغم من دوران كتاب (استراحة الخميس) في فلك التوثيق، كونه يوثّق عدداً من المقالات التي كتبتها الدكتورة سعاد الصباح في ثمانينيات القرن الماضي، في الصفحة التي كان يطلق عليها اسم (استراحة الخميس) في جريدتي (الوطن) و(القبس)، إلا أننا نشعر وكأن الدكتورة سعاد قد كتبت مقالاتها هذه في أيامنا الحالية، فهل هي نبوءة، أم ترانا ندور في المكان ذاته منذ نصف قرن؟!
في تقديمها للكتاب، تقول الدكتورة سعاد الصباح: “لم أكن أعرف أن الكلمات يمكن أن تخزّن حرائقها بين السطور.. بانتظار لحظة الاندلاع الكبرى التي يراجع فيها الكاتب تاريخه فيُذهله هول الهموم التي كتب عنها، وحجم القضايا التي أثقل بها قلبه.. وكمّية الدموع التي سكبها، ومدى الصراخ الذي أعلنه.. كم من مرّة تمزّق أشلاء، وكم من مرة أعلن انهيار معاني الإنسانية في عالم مزدحم بالكلام عن الإنسانية… لكنها الكلمة قدرنا الذي سرنا إليه وسار إلينا”.
كانت استراحة وضعت بها عصافيري على كتف جريدة (الوطن) في أعوام، وعلى أغصان جريدة (القبس) في أعوام أخرى.. في زمن جميل عاشت فيه الكويت أزهى فتراتها الإعلامية، وجمعتني مع رموز فكرية وأدبية وإعلامية كانت علامة مشرقة من علامات هذا الوطن الذي يقاتل من أجل الحرية.. لا أريد ترميم الماضي.. بل استحضاره فقط.. ولم أكن أتصور أننا لم نتحرك بعيداً عن تلك النقطة التي وقفنا عندها منذ خمسين عاما.. فقد مر ّ قطار الزمن.. واكتشفنا أننا لم نركبه.. بل كنا نقف بجانب المحطة ونرى الحركة ونظننا جزءاً منها..!!”.
حبل المشيمة
تماماً، هذا ما عكسه الكتاب، الذي جاء كصرخة مزلزلة علّنا نصحو من سباتنا، إذ نكتشف أن الدكتورة أوضحت العلاقة بين أميركا وإسرائيل في مقال كتبته قبل أكثر من خمسين سنة، لكننا حين نعيد قراءته في هذا الكتاب، يخيّل إلينا أنها كتبته بخصوص ما يجري على أرض غزة اليوم، إذ تقول: “الواقـع أن الحديـث عـن حبـل المشيمة الـذي يربـط بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليـس حديثـًاً سرياً، فقد كُتب في هذا الموضوع أطنـان مـن المقالات.. فليشرب الرئيـس الأميركي الشـامبانيا في مهرجاناتـه الانتخابية كما يشـاء.. وليشرب الناخبـون الأمريكيون أكاذيـب مرشـحيهم كما يريـدون.. أمـا نحـن شـعوب العـالم الثالـث فلـن نهتـم بمن يأتي أو بمن يذهـب.. فـكل رؤسـاء الأمريكيين يحملـون الجنسـية المزدوجة الإسرائيلية – الأمريكية.. وكل الرؤســاء الأمريكيين يولــدون في أورشــليم.. ويواصلـون دراسـتهم في جامعـة هارفـرد.. وكل الرؤسـاء الأمريكيين يحملـون قـراراً مـن البنتاغـون بقتلنـا جوعـًا.. وعطشـًا.. وحصـاراً.. حتـى يـموت آخـر طــفل في الجــنس الــعربي”.
وتوصف الدكتورة سعاد الصباح الوضع العربي، في مقال آخر كتبته قبل نصف قرن، فنشعر وكأنها تتحدث عنه في الوقت الحاضر، إذ تقول: ” العلم العــربي واقــف على ســجادة مــن نــار.. والســجادة تحترق تحتــه خيــطًا.. خيــطًا.. وهو لا يرى الحريق ولا يــشم رائحــته.. حتـى البحـر في لبنـان والخليـج يحترق، ولا يـزال العـربي مقتنعـًاً أن الماء لا يحترق، فالعـربي مثـل نيرون، يحب أن يتفـرج على رومـا، أو على بغـداد، أو على بيروت، وهـي تحترق، ولكنـه لا يصـدق أن النـار ممكـن أن تصـل ذات يوم إلى عباءته”.
الحلم المستحيل
ويبدو طبيعيًا، والحال هذه، أن ترى الدكتورة سعاد الصباح، في مقال كتبته في مطلع عام 1983، الوحدة العربية حلمًا مستحيلاً، وكم آلمها، ويؤلمنا، حين تقارن بين الواقع الأوروبي وواقعنا المأساوي إذ تقول: “سكاكين الألم تذبحنـي، وأنـا أرى شـعوباً متفرقـة، يتعاملـون كشـعب واحـد، وشـعوباً مــن دم واحــد، وديــن واحــد، وتاريــخ واحــد.. وتــراث وتقاليــد واحــدة.. تفــرق بينهــم آلاف الحواجــز، ويــزداد عــدد الحواجــز يوميــًاً بعــدد أيــام الســنة. أرى الاتحاد والوحــدة آمال بعيــد المنال، فقــد أكــون خياليــة وأنــا أحــلم بالوحدة”.
وعلى الرغم من كل ذلك، أصرت، ولا تزال تصر على ضرورة الركض وراء المعرفة، حيث نشرت مقالاً في ثمانينيات القرن الماضي ركّزت فيه على دور الكلمة، فقالت: “في عالم عـربي يتخبـط في جراحاتـه وتناقضاتـه، وانقسـاماته وأحزانـه، لابد للكلمـة أن تلعـب دوراً في إضـاءة الطريـق وزرع بـذور المحبة، وإخـراج المواطن العـربي مـن هـذا الليـل الحالـك السـواد الـذي يتخبـط فيـه، ومـن أولى مـن الكلمـة بإشـعال مصابيـح الحـق؟! فالدفـاع عـن الإنسانية عنـدي هـو الكحـل النـادر الـذي أحـب ألا تخلـو عينـاي منـه، والدفـاع عـن قضيـة الإنسان وحريتـه هـو العطـر الجميـل الـذي يطيـب لي أن أتعطـر بـه وأزهو، فالإنسان من غير عـطر الإنسانية لا يـعد من البشر”.
جاء الكتاب في نحو مئتي صفحة، وتزين غلافه بلوحة رسمتها الكاتبة ذاتها الدكتورة سعاد الصباح. ولم يتضمن الكتاب كل المقالات التي سبق وكتبتها، بل جزء منها لا أكثر، ولعلنا نرى جزءا آخر من هذا الكتاب في قابل الأيام.