عند قراءة رواية (طعم الذئب) لعبد الله البصيص؛ أيقنت أن الإنسان مهما حاول أن يتجرد من نفسه؛ لن يتجرد وإن وصل لأهدافه وتحقق مراده بالمستحيل؛ لأنه سيرجع لأصله بوصوله!
سيكون مجردًا من نفسه، (كذيبان) تمامًا، الذي حاول أن يصبح غير ما أصبح!
أدخلتني هذه الرواية أجواء الصحراء والبداوة، فرسمها الكاتب في مخيلة القارئ، كأن (ذيبان) يسرح أمام الخيام ونصابها بصورة واقعية فذة أمامه، السرد والتسلسل في الرواية غير ممل أبدًا من البداية حتى النهاية، التي نهايتها قد تثير إثباطًا قليلًا!
فالكاتب أدخل الواقع مع الخيال مع الذئب الذي يُحير القارئ ما إذا كان من الجن كما تصور البطل (ذيبان)، أمّا (ذيبان) قد جُن جنونه، فترأف بحال البطل الذي عاش وحيدًا ومنبوذًا من قِبَل مجتمع لا يرحم، بمجرد وجودك بين نار عائلتين؛ هما الأب والأمّ، فستكون منبوذًا ووحيدًا إن لم ينصفك الذي من لحمك ودمك كما ذكر لنا (ذيبان) ذلك متأملًا متألمًا!
وطبعًا كل قارئ يرى ما يفهمه مع تعمقه العميق برمال الصحراء وحرارة أشعتها الموصولة على جبين من يقرأ الأحداث بمتعة تجعله يتعرق قلقًا منها، نعم هكذا هي الرواية؛ تأخذك بعيدًا وترجعك قريبًا، وهذا ما رأيته من خلال ما قرأت، مشاهد متناقضة مع الخيال يضرب بالواقعية ضربًا مؤلمًا، لأنّ (ذيبان) قد نراه نموذجًا حيًّا في المدن وليس فقط بالصحراء، وإن تغيّرت البيئة، فلا ننكر أن (ذيبان) يتجسد في بعض البيوت بسبب تعارف بعض عادات القبائل التي لا تتغير، وقد تؤدي به إلى نهاية لا تحمد عُقباها، هنا ستقول: نعم، هذا هو مجتمع البدو الحقيقي في كل زمان ومكان، مهما تغيرت البيئة؛ فالبدو -غالبًا- شديدو التمسك بعاداتهم!
وعند نفاذك إلى الأحداث والحوارات المثيرة وتعليل الشخصية بحقيقة ما يراه وما لا يراه، تجد نفسك غارقًا مع طعم حلاوة الكلمات ومرارتها في آن واحد، هنا يكمن الجمال الحواري في السرد، وأبدع الكاتب فيها؛ لذلك لم أجد الملل بين السطور.
وأيضًا إدخال الراوي الأشعار والأغاني والأمثلة في بعض حواراته، نجد المتعة في تذوقها فنيًّا، فامتزاجها مع الأحداث، أعطاها نكهة غنية من اللذة غير المبهرة الكثيرة، خاصة أن الحوارات تتخذ مأخذ التفكير والتأمل، ففيها درجة عالية من الفلسفة الفكرية في طريقة السؤال والجواب من قِبَل (ذيبان) والذئب.
قرأنا عن التراث الشعبي وعلاقة الأساطير بها، وكثيرًا ما رأيت روابط بين الموروثات الشعبية وبين مجتمعاتنا والبيئات التي تجمعنا أحيانًا في بيئة واحدة، وجمعها لنا الكاتب عبر قصص الجن وعلاقتها بالصحراء والظلام، وهذا ما نسمعه من روايات الأجداد بالطبع، ودخول هذه الأمور يجعلنا نرى واقعية وخيالية الرواية المتأصلة مع عاداتنا وتقاليدنا في تصديق ما يُروى لنا عبر الأجيال.
وكذلك سنرى أن الكاتب يجمع مع الأساطير، موضوعات أدب الحيوان، فنرى الذئب يتكلم ويجلس ويمكر ويفكر وهَلُمَّ جَرًّا… فتنوع كل هذا في الرواية أعطاها رؤية جامعة للأدب القديم وامتزاجه بالحديث من عدة جوانب متكاملة، فالرواية تستحق وبجدارة الجوائز التي نالتها، ولا أعلم لماذا مُنعت من النشر لفترة زمنية طويلة، فهي رواية بها الكثير من العبر والعظة، يهدف منها الراوي إيصال معانٍ سامية في حق الإنسانية -من وجة نظري-، لو تعمق فيها كل قارئ؛ لوجد ما أقوله غير مبالغ فيه!
رواية لا يمكن أن تنساها مهما مرت السنونَ؛ لأنها رواية لها شعور لا يشبه طعم الذئب؛ بل يشبه طعم الكئب!
بالنهاية ليست كلُّ الهزائمِ هزائمًا، ولا كلّ الانتصاراتِ انتصاراتٍ، قد ننتصر ونُهزم في نفس الوقت، وهذا ما حدث مع (ذيبان)، وأخيرًا مقولة: “لكل امرئ من اسمه نصيب” لا تنطبق على (ذيبان)، لأنّ (لذيبان) من اسمه نحيب!
بقلم : كل البشائر
@twiter: bashayer_arabic