السبت, أبريل 26, 2025

قناة التقسيم الصوتي :

spot_img

تابعنا على :

ذات صلة

متفرقات أدبية :

عدسة الساحة : موجز ساحة الشعر والشعراء …

كتب : أنهآر   1- كثيرة هي حسابات الشعراء والشاعرات في الشبكة...

مواجهة الاغتراب في ديوان “جارة القمر” لكفاية عوجان

  بقلم : د. محمد حسين السماعنة. الأردن    يعد ديوان كفاية...

وين أبلقى هدو نفسي / الشاعر : ناصر بن مفلح

الحضور الجميل من شاعر يحمل الكثير من الابداع ويصنع...

المعركة المثيرة حول رفات جيمس جويس / ترجمة: د. إدريس الكنبوري

خافيير أخا(عن مجلةEltiempo الإسبانية)
ترجمة: د. إدريس الكنبوري

في الثالث عشر من يناير الماضي احتفلت إيرلندة بكاتبها العظيم جيمس جويس، بمناسبة مرور ثمانين عاما على وفاته، متأثرا التهاب الصفاق إثر عملية جراحية، في سويسرا، وقد بلغ الثامنة والخمسين من العمر.
يتعلق الأمر بواحد من الكتاب الأكثر شهرة، ولكن الأقل مقروئية في بلاده التي نشأ فيها، وهذه واحدة من أوجه العلاقة المعقدة لجويس ببلده الذي هاجر منه شابا، لأسباب إيديولوجية.
لقد استقر هذا الكاتب الأسطوري أخيرا في زيوريخ بسويسرا، حيث تستريح عظامه “بسلام”، إلى جانب قبر زوجته نورا، وابنه جيورجيو. نقول “بسلام”، لأنه في الأعوام الأخيرة بذلت جهود حثيثة من أجل انتزاع قرار من السلطات السويسرية لإعادة رفاته إلى دبلن، هذه المدينة التي نسج معها جويس علاقة متينة من المحبة والكراهية، والتي رسم صورتها في أعمال خالدة مثل “عوليس”، “صورة الفنان في شبابه”، “سهر فنيغان” و”دبلاينس”.
بين تلك الجهود التي كادت تؤدي إلى نتيجة ما قام به عضوان من بلدية مدينة دبلن عام 2019، حين طرحا اقتراح “ترحيل” رفات جويس وزوجته نورا عبر الطرق الديبلوماسية. فقد تقدم كل من بادي ماكارتن عن الحزب الديمقراطي وديرموت لاسي عن الحزب العمالي بملتمس حول هذا الموضوع، متعلليْن بأن نقل الرفات كان الأمل الأخير الذي أعرب عنه الكاتب وزوجته، التي توفيت بعده بعشر سنوات.
هذا التحدي الذي طرحه المسؤولان المحليان تلقاه الباحث الأكاديمي فيرتز سين، مدير “مؤسسة جيمس جويس”، الذي يعيش هو نفسه في زيوريخ منذ ما يزيد على الثلاثين عاما. فرغم أنه أقر في مناسبات عدة بأنه لا يمكن معرفة الرغبة الأخيرة للكاتب، إلا أنه يُذكّر بأن جيمس جويس لم يعرب أبدا عن رغبته في الحصول على الجنسية الإيرلندية، عندما تم إنشاء “الدولة الإيرلندية الحرة” عام 1922، عقب استقلالها عن بريطانيا.
في الواقع، فإن جيمس جويس (1882ـ1941) رفض مرتين الحصول على جواز السفر الأخضر، وفقا لما نقرأه في مذكراته، وهذا يعني أنه مات بهوية بريطانية، حتى وإن كان الجميع يتذكره كإيرلندي.
ويؤكد فيرتز سين بأن هذا الموضوع، الذي يصفته ساخرا بـ”معركة الرفات”، يواجه صعوبات أخرى. فإلى جانب قبري الكاتب جويس وزوجته نورا وإبنهما جيوجيو يوجد قبر الزوجة الثانية لهذا الأخير، وهي لا علاقة لها البتة بإيرلندة؛ ويقول فيرتز سين معلقا:”إن المدينة في غاية الفخر بسبب هذا القبر، وهذا رد فعل طبيعي، لأن زيوريخ كانت آخر ملاذ لجويس”.
وفي الوقت الحالي فإن “معركة الرفات” ربحها السويسريون، بعد أن كف المسؤولان المحليان في بلدية دبلن عن متابعة مبادرتهما المشار إليها. فما كان يبدو اندفاعة قوية وجد مخرجا حبيا فيما يظهر، لم يكن في الحسبان، إذ قال ديرموت لاسي لوكالة إيفي الإسبانية:”أخيرا سحبنا الملتمس الذي تقدمنا به لأنه كان خطأ من جانبنا”، وذلك في انقلاب غير منتظر وسوريالي، يليق بأدب جويس، مثل “سهر فنيغان”، الرواية الأكثر غرابة في الأدب العالمي.
وأضاف ديرموت لاسي:”لقد أقنعَنا أحد المقربين من عائلة الكاتب بأن بين آخر رغبات هذا الأخير كان الرغبة في الرجوع إلى إيرلندة بمعينة نورا بارناكلي، زوجته، وهو أمر يبدو أقل تناقضا في ضوء مواقف الكاتب في حياته. لكن في الأخير لاحظنا بأن الأمر لم يكن كذلك”.
ويضيف لاسي بأن كل شيء كان مجرد غش وخدعة، ويتابع قائلا:”اتصل بنا أحد الأشخاص من نفس الدائرة الانتخابية، لن أكشف عن اسمه، عارضا طرح القضية. وعندما قدمنا الاقتراح (إلى البلدية) قام هذا الشخص نفسه بانتقادنا علنا، لكن بعد أن حصلنا على بعض المعلومات، تخلينا عن الاقتراح”.
كيفما كان الحال، يؤكد لاسي، فإن هناك بعض الانقسامات لا تزال موجودة، لأن بعض الخبراء يقولون بأن نورا، زوجة جيمس جويس، هي التي أعلنت بأن زوجها عبر عن رغبته في أن يدفن هنا، إلى جانب والديه المتحدرين من دبلن (الدبلنيين).
وترتفع بعض الأصوات في بعض الأوساط الثقافية في دبلن منتقدة تلك المحاولات التي تقوم بها السلطات المحلية، من أجل تقوية روابط الكاتب بدبلن، واصفة تلك المحاولات بالانتهازية والنفعية، حسبما ذكرت جريدة”زمان إيرلندة” في افتتاحية لها.
ويبدو مفهوما، بشكل من الأشكال، أن إيرلندة تسعى إلى استعادة ذكرى فنان ينتمي إليها، بعد أن أصبح اسم جويس منتشرا على صعيد الأدب العالمي. إن مؤلف “عوليس” يتمتع بتأثير كبير لا يقل عن تأثير بورخيس أو إليوت، وهو اليوم واحد من الكتاب العالميين البارزين في القرن العشرين، في حجم شكسبير أو وليام بليك في الأدب الإنجليزي. وفي ظل الحفاوة التي يحظى بها، والإرث الأدبي الكبير الذي خلفه هذا الكاتب الذي يضعه التاريخ الأدبي جنبا إلى جنب مع كافكا ومولكنر وبروست وبيسوا، فإن إيرلندة تريد استعادته.
لكن الواقع أن جويس كانت لديه علاقة معقدة ببلده الذي هجره وهو في ريعان شبابه عام 1904 للاستقرار في تريست بإيطاليا، وباريس، وأخيرا زيوريخ. إنه لم يكن نبيا في بلده، طالما أن عمله الأساسي”عوليس”، الذي نشره عام 1922، لم يبدأ في الرواج في المكتبات حتى عقد الستينات، بسبب العراقيل التي كانت تضعها السلطات آنذاك في البلاد التي كانت تحكمها الكنيسة الكاثوليكية بيد من حديد، والتي كانت تعتبر الرواية “معادية لإيرلندة” و”فاحشة”.
وتقول جيسيكا تراينر، من متحف الهجرة الإيرلندية، إن جويس “كان يدين المذهبي الزهدي والمحافظة في المجتمع الإيرلندي والقومية المتطرفة”.
لقد كان جويس ـ بحسب تراينر ـ يحب ويكره دبلن، بقدر متساو، تلك المدينة التي كان لديه معها ميثاق روحي وأدبي بقي إلى آخر حياته، إلى درجة أنه كان يقضي وقتا فراغه، عندما كان في باريس، في البحث عن سائحين من دبلن ليتذكر معهم أسماء المحلات في المدينة، وشوارعه المفضلة؛ ولكن المسافة التي فصلت بينه وبين إيرلندة تعود إلى أسباب سياسية، ولا علاقة لها بالثقافة أو الهوية.
يقدم غوردون بوكر، مؤلف سيرة لجويس نشرها عام 2011، مزيدا من المعطيات حين يقول:”ما حصل مع جويس أنه كان يحب دبلن القديمة التي عرفها خلال طفولته ، بما في ذلك خلال الفترة التي كانت تحت حكم بريطانيا، ولم يرتح أبدا لإيرلندة الجديدة التي ظهرت بعد فيما بعد”.
لقد توفي جويس في 13 يناير من عام 1941 في زيوريخ، متأثرا بقرحة دودية في المعدة، ولم يحضر الممثلان الديبلوماسيان الإيرلنديان جنازته. لقد كانا في مهمة أخرى، لكن وزارة الخارجية طلبت منهما “تقريرا مفصلا حول وفاة جويس”، وإذا كان ممكنا، التأكد “مما إن كان قد مات كاثوليكيا”.
لقد كانت لجيمس جويس علاقة حادة بالإيديولوجيا السياسية التي كان وراء انفصال إيرلندة عن بريطانيا، ولذلك غادر دبلن وهو في ريعان شبابه. أما إيرلندة الجديدة، إيرلندة الكاثوليكية والمحافظة، فهي تختلف كثيرا عن الخطاب الأنجليكاني المهيمن في شرق بريطانيا العظمى.
هذه المسافة التي كانت بينه وبين بلده نتج عنها في فترة من الزمن تقلص عدد قراءه وعدم الاعتراف به في مدينته التي ولد بها، ولكن المفارقة هي أن جويس كان يحب مدينته وثقافتها، أما المفارقة الأكبر فهي أن أعماله الأدبية هي التي تعكس هوية دبلن خلال بدايات القرن العشرين بكل حيادية وأمانة وعمق. بل إن ليوبولد بلوم، بلد رواية “عوليس”، يجوب شوارع العاصمة الإيرلندية بطريقة تذكرنا بمغامرات أوديسيا هوميروس. وخلال البنية المعقدة للرواية، أهم أعماله، تحضر أسماء مجموعة من الأماكن في المدينة التي ينسج معها البطل علاقة قوية. نفس الأمر نراه في عمله الآخر، “دبلاينس”، الذي يتكون من خمسة عشر قصة تتشكل خلفياتها الطبيعية من الحياة اليومية في بعض الفضاءات الاجتماعية بالمدينة.

 

 

ترجمة: د. إدريس الكنبوري

 

.

spot_imgspot_img