في الشعر حالة إمتداد إنسانية، يخلق فيها الشاعر حيوات كثر،ويرحل إلى عوالم موازية من الجمال.
يرسم ويحدد من خلالها المصير، ويوازن الموت، والحياة.
يقولب فيها انتاج الافكار، ويصب من خلالها رؤاه الثقافية، الأدبية، الدينية، التاريخية، والفلسفية بمضامين لها أثر السحر على النفس البشرية.
يقيم مدناً من القصائد، ويهدم مدناً أخرى.
يعيد تشكيل خارطة العالم من جديد.
في الشعر يضع خلاصة الحكمة، والتأمل.
يغني للحب والكره على حد سواء.
في الشعر..
في الشعر …
في الشعر…. حتى لا يهددنا الفناء!
( جذوة الشعر)
عنوان النص دليل قائم على مضامين النص، ودلالاته
فمن العنوان يلج القارئ الجيد بتحليل واعي محكم
لا يترك النص في موضع الصعوبة.
يقول أنيس منصور: ( القارئ الجيد لا يهزم) من حيث أنه يدخل من مدخل النص بوعي كامل وادراك تام.
” جذوة الشعر”
قال تعالى على لسان موسى: (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)
“الجذوة” هي الجمرة الملتهبة “جذوة” كل ملتهبٍ مادي كان أو معنوي
” جذوة الشعر ” قصيدة الشعر الملتهبة “ قطعة من الشعر ملتهبة”
تشبيه بلاغي مكتمل زاد المعنى وضوحاً وأكسب القصيدة جمالاً من البداية
(من علم الصمت يتجاهل شفاه الكلام
ومن علم الحزن يسرق ضحكة العابرين)
” من ” أداة استفهام للعاقل معرفةً كان أو نكرة
” من علم الصمت “
الصمت هو أصعب علوم الكلام
يقول: جلال الدين الرومي( سأقول لك الكلام الذي لا يحتاج إلى شفاه أو لسان، سأحدثك بين الجميع ولن يسمعني أحد سواك).
” من علم الصمت يتجاهل شفاه الكلام”
يقول شكسبير: ( أحيانا نصر على الصمت، لأن هنالك أشياء لا يعالجها الكلام)
فالصمت أحاديث مكثفة الرسائل
ولكن الصمت تجاهل، يعني الألم
بداية مليئة بالتفاصيل العميقة والرؤى الاعظم والحكمة
” ومن علم الحزن يسرق ضحكة العابرين”
يقول عبادي الزهراني:(أبتسم رغم انكسارك ، لكلّ العابرين
لو ورى هالابتسامة : وجع في مقتله)
للضحكات والمشاعر حضارة تقام في القلوب
للعابرين على مطالع القصيد شواهد إما شاهقة بفهم الرسائل الإنسانية أو ابتسامات منسية على النوافذ
بيت عبارة عن لوحة مشتهاه على وجه الشعر
“وليش المشاعر تفيض وتمتلي فـ الظلام
والى متى الناس بالافكار متناقضين”
” الفيضان يأتي من الإمتلاء” أي أنه يأتي بعده كنتيجة حتمية له
” تفيض وتمتلي” الواو حرف عطف يجمع المعطوف والمعطوف عليه في حكم واحد دون التقيد بترتيب
فلا يلزم الامتلاء والفيضان
مدهش جداً أن يكون الشاعر واعياً بأماكن مفرداته وسلامتها فلا يحرق شاعريته في ميزان اللغة
كل المشاعر تتدفق في الظلام ومع الصمت والظلام تنهمر بغزارة
الشعر حالة تتبلور بين الادراك ونقيضه بين الشعور واللاشعور بين الوعي واللاوعي لهذا هناك منطقة مظلمة تتشكل فيها كل المشاعر الانسانية في المنتصف لتظهر وتطفو على السطح كحالات إبداعية كالقصائد
والتناقض اساس الابداع فسيبقى التناقض دليل التنوع وتلاقح العقول وخصوبة الأفكار
“يا اسئله حيرت عقلي وعييت انام
مابين دفتر شعر ولحاف ووسادتين”
القصائد حيرة الشاعر وموقفه من العالم يضخ بها خلاصة تأمله وحكمته ويبث من خلالها لواعجه ويصب بها فكره ويحقق فيها احلامه
“عيني على السقف والملم بقايا حطام
افكاري مبعثره والشعر فيني حزين”
لا عليك فالشعر يرتب افكارك بعد أن يبعثرها على طاولة السهر وهذه القصيدة دليل ذلك
” عيني على السقف” دلالة علو الطموح
رغم الحطام والتناثر على الأرض
” والشعر فيني حزين ” كأن الشعر كائن ذا روح يتنفس ويشعر حتى غدا حزين، لطف ورقة وجمال والشعر هكذا صناعة الذهول من حيث الازاحة اللغوية وتراسل الشعور مع الشعر فالإدراك الجيد يختفي خلف الكلمات
ولغة الشعر هي التي تعمل على خلق ادراك مميز.
“فرقا ولقيا وناس وذكريات وزحام
عقلي مشتت وفي قلبي انين وحنين”
وفي مدارات الحياة محطات كثر نمضي ونعود ونمضي ونعود وتتزاحم الذكريات
” فرقا ولقيا” جمع متضادات
في جمع المتضادات صورة تخاطرية سريعة في ايراد الارتياح النفسي وتشكيل صورة جمالية راسخة
وفي القرآن من المتضادات ما يبعث ذلك
واللغة وسيلة للتواصل ودعم الحالات النفسية .
” أنين وحنين ” جرس موسيقي حلو على السمع.
(بين الشجاعه وبين الخوف والانهزام
اشوف حلمي وانا عزمي مقيد يدين)
الخوف ليس نقيضاً للشجاعة بل هو ملازم له
فالشجاعة هي أن تدرك خوفك
ترابط المشاعر هي حالة تمنح الانسان تخلقه الانساني
وتشكله المسلكي وتعامله مع ذاته الواعية
يقول ذو النون ( الناس على طريق السلامة مالم يزل عنهم الخوف) فالخوف ميزان بين الشجاعة والتهور
رؤية الحلم مبشر بالتحقيق فالخيال واقعنا
رائعة يا حنان في جمع هذه المشاعر الانسانية في شطر واحد
( وانا عزمي مقيد يدين)
هنا صورة وتجسيد حسي وأنسنة للشعور
يقول حسن ناظم: (إن تضمين الشعر أهدافاً تتموقع خارج العالم الداخلي للشعر ومكوناته شرط أساسي من شروط تحقيق الأنسنة في الشعر إذ أن الشعر عبر ذلك يمارس تأثيره المراد في الحياة)
العزم مقيد اليدين دلالة الجهد على محاولة الخلاص وتحقيق الاحلام، وكناية عن قوة الطموح، ستتحقق كلها في قصيدة ضاجة بالمتعة والجمال تأتي بحيوية المشاعر الانسانية المتحركة
(ماني قليلة طموح ولاكثيرة ملام
اغرف من الشعر مايغرق به المبدعين)
وأنت كبيرة بهذا يا حنان
فالطموحات منوطة بالكبار
(ربي خلقني وانا دايم رفيعة مقام
اطهر من الغيمه البيضا وعقلي فطين
حروفي الاربعه للشعر مسك الختام
اشرف على قمة الابداع طول السنين
لو الكبر ماجعله الله ذنب وحرام
ماكنت متواضعه واجلس مع الجالسين)
ابيات مليئة بالسمو والعزة والثناء الجميل للنفس المولعة بكل رفيع وسامي
(اعرف حدود الادب والذوق والاحترام
واقطف ثمار الاجر من نخلة الصابرين
اخطف نجوم السما واعصر كفوف الغمام
واخلق من الحرف روح تصحّي الميتين
اصنع من الشعر تاج وعقد لول وحزام
اخطف به انظار واسرق مهجة المعجبين)
استرسال انتقائي متوهج
(يا جذوة الشعر لا يلحقك برد وسلام
في هاجسٍ يشعل الابداع في كل حين)
هنا البداية والنهاية بلا انتهاء للابداع
حديث الذات الداخلية بأن تبقى متوهجة
لن يبرد الشعر في الرماد وسيبقى ملتهباً كلما نفخت عليه اشتعل
وباذن الله ابلغ باحاسيسي بلوغ المرام
وانام مطمنه دايم وحظي يزين
وعسى أن يبلغ الشعر مبلغه في حياة متكاملة مكتظة بالتفاعل والتعاطي مع الموجودات دون وسيط
حنان تنفث الشعر إنساناً يتنفس معها ويتفاعل ببلاغة وقوة
كوني بخير والشعر معكِ بخير.
بقلم : ربيعة الروقي