بِعنَا السّفينةَ فلتَأتي الرِّيَاحُ كما
شَاءَتْ، فلَيسَ لنَا في البَحرِ أَسفَارُ
والأُمنيِاتُ التي في جَوفِنَا ذَبُلتْ
فليسَ يَأسفُ للأقدَارِ أحَرَارُ
ماذا يُهِمُ وكل النّاسِ قد ذَهَبوا
عنَّا وقَد خَلِيَتْ ِمن أهلِهَا الدَّارُ
ماذا سَنَفعَلُ يا أُماهُ إنْ عَصَفَتْ
فينَا المَواجِعُ لا زَادٌ ولا نَارُ
مَاتَتْ مُرؤتُنا، تَدرينَ مُنذُ متى؟
سَبعونَ عاماً وخَمسَاً كُلها عَارُ
يا للمَدائنِ كَم في البَالِ مِن قِصَصٍ
أحيَا بُطولَتَها عَمرو وعَمّارُ
ما عَادَ مِن وَهَجٍ فِينا يؤنِّسُها
باتَتْ رُكاماً لها في القَلبِ دَيَّارُ
أينَ الأوَابدُ؟ نَاموا تَحتَ تُربَتِها
أينَ الأوَائلُ مَن ثَاروا ومَن دَاروا؟
يا للطُفُولَةِ والأحلاَمِ كَم سُرِقَتْ
تَعلُو إلى الشَّمسِ خَلفَ النَّورِ أَطيارُ
يَا حَادِي العِيسِ: هل مِن ثَائرٍ ولهُ
جَديلَتانَ وعَينٌ فَوقها الغَارُ؟
نُحي بهِ أُمَماً مَاتَتْ عَزائِمُها
ونَعقِدُ المَجدَ إنّ المَجدَ أطوَارُ
يا أُمّةَ العُربِ مَا للعُربِ قد أَلِفوا
ذُلَّ اليَهودِ، فلا قَاموا ولا ثَاروا؟!
مَا للشَّوارِبِ لا تَهتَزُ هَيبتُهَا
والأرضُ والعِرضُ والأطفَالُ أخبَارُ
أينَ الجُيوشُ؟ أ للأوطَانِ سَطوَتُها؟
أينَ الكَواسِرُ؟ هل زَاغوا وهل حَاروا؟!
لا الخَيلُ، لا اللَّيلُ، لا البَيداءُ حَاضِرة
والكّرُ والفّرُّ والجَلمُودُ أصفَارُ
القُدسُ تَصرُخُ لا سَمعٌ يُصيخُ لَها
وأدمُعُ القَهرِ في الشَّاشَاتِ أنهَارُ
ونَصنَعُ الصَّمتَ رُغمَ الآهِ مَوئلنَا
ويعلمُ اللهُ أنَّ القَهرَ جَرّارُ
لا بَاركَ الله في هَذي الشُّعوبِ إذا
عَاشَتْ وليسَ لها في الحَقِ أنصَارُ
ماذا سَيُخبرُ أحفَادٌ لنَا عَلِموا
هذا التَّخَاذلَ عنّا أينَما سَاروا؟
ماذا سنَصنَعُ والتَّهجِيرُ مُنتَظِرٌ
وليسَ ينفَعُ لا صَحبٌ ولا جَارُ؟!
يا عَالمَ الغَيبِ، هل في الغَيبِ مِن فَرجٍ؟
فالنّفسُ قانِطَةٌ والدَّمعُ أحجَارُ!
وليسَ يَعصِمُنا في النَّائباتِ سوى
نَصرٌ مِن اللهِ أو فَتحٌ وأنوَارُ
يا أولَّ الغَيثِ، هذا القَطرُ مِن دَمِنا
نُحيي بهِ بَلداً خَانَتُهُ أقطَارُ
رُغمَ التَّغطرُسِ ما زَالت قَوافَلنا
تَستَقبلُ المَوتَ إنَ المَوتَ أقدَارُ
لا نَترُك الأرضَ، إنَّا دُونَها شَجرٌ
تَموتُ واقِفةً مَهمَا كَوىَ النَّارُ
قُل للذينَ تَنَاسَوا كُلَّ مَجزَرةٍ
وأشفَقوا أنْ قَضَى في القَومِ أَحرَارُ
مَا بَالُ صَبرا وشَاتِيلا أليسَ لَها
في القَلبِ مَوقِعةٌ والنَّفسِ آثَارُ!
ما بَالُكم؟ كيفَ طبَّعتمْ؟ أليسَ لكم
عينٌ تَرونَ بها؟ فالأصلُ غَرّارُ
هل تأمَنُونَ لَهم والله مُبِغِضُهم!
كَم لَعنَةٍ في كِتَابِ اللهِ! كَم بَاروا!
يا صَانعَ العَارِ قُل للعَارِ أنَّ لنا
بَعضٌ مِن القَومِ لا بَاعَوا ولا خَاروا
أما المَلايينُ فالأغَلالُ تلبِسُهمِ
لا يقدرونَ على شيءٍ إذا ثاروا
هلِ المَسيراتُ “يَوماً حَرَّرَتْ وَطَناً”!
أم الهُتافاتُ! ليتَ الصَّوتَ إعصَارُ!
لكنَ عُزوتُنا في اللهِ إنَّ له
جُندٌ مِن الغَيبِ، إنَّ اللهَ جَبَّارُ!
والعَدلُ إن غَابَ إنَّ الله مُرسِلهُ
بالحَقِ إن بَطَشوا فِينَا وإنْ جَاروا!
مَن يَحسبُ الظُّلمَ في الأيَام مُنتَصراً
لا يُحسِنُ الظَّنَ في رَبٍ هو البَارُ
…..
الشاعر \ عبدالواسع السقاف
صنعاء – اليمن