بقلم ; د. عمر الخواجا
كيف طرح الروائي باسم خندقجي رؤيته لصراع الهويات في روايته الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2024 ( قناع بلون السماء ) ؟ وكيف استطاع أن يُجسّد عملية استخدام الضحية لصورة الجلاد في رحلة الكشف عن الآثار والهويات والأصول؟ وكيف ربط بين لون القناع ورمزيته السياسية وفشل الاحتلال الصهيوني في كسر إرادة الصمود والتحدي والحياة ؟ الأسير الفلسطيني المناضل باسم خندقجي يخترق عالم الرواية من خلال قضيته الوطنية راسما لوحة ناطقة بالإصرار والتحدي والمقاومة رغم القيود والتعذيب والمعاناة ، تقوم بنية الرواية الأساسية على استخدام البطل الفلسطيني نور مهدي الشهدي هوية الصهيوني أور شابيرا والتي وجدها في جيب سترة جلدية قديمة من أجل التغلب على حواجز التفتيش والقدرة على الدخول لمستوطنة مشمار هعيمق مع بعثة التنقيب عن الآثار مستغلا ملامحه اليهودية الاشكنازية ، لقد استطاع الروائي خندقجي ان يصوّر علاقة التصادم الحتمي بين هوية الجلاد المزيفة وصورة الضحية التي تتمسّك بحقها التاريخي وهويتها الحقيقية في مواجهة جبروت الجلاد وقمعه واستيطانه الاستعماري .
تعتبر نهاية الرواية ( عتبة الخروج من النص الروائي ) معلما أساسيا في فهم كثير من الأفكار التي يحاول الكاتب طرحها من خلال تسلسل الأحداث واكتمال الحبكة الروائية ووضوح مصائر الشخوص والابطال ، بعض النهايات يجعل من النص الأدبي مجالا مفتوحا للتوّقعات والاسئلة ولكنّ الأسير الروائي باسم خندقجي وهو يكتب عن الهمّ الوطني الفلسطيني يختمُ روايته ( قناع بلون السماء ) بكلمات تعلن انتصار هوية الضحية وتنسمها هواء الحرية بعد الخروج من المستوطنة والعودة للجذور الأصلية وتحطيم وتمزيق كل ما ارتبط بقناع الجلاد من قلادة نجمة داود والهوية المزورة حيث يعود البطل فيما يشبه الانتفاضة النفسية لانتمائه العربي الأصيل من خلال نفي صورة الجلاد وتمزيقها معنويا وماديا ويتضح ذلك من خلال اللهفة والشوق الطاغي الذي تولّد لدى البطل لإعادة برمجة هاتفه المحمول للغة العربية بحيث تكون نهاية الرواية محملة بكثير من الابعاد السياسية والنفسية والوطنية ( … ينزع قلادة نجمة داود من عنقه ، يلقيها بعيدا نحو السهل المحاذي للرصيف ، ينتشل بطاقة الهوية المزورة من جيبه ، هوية أور شابيرا ، يستعرضها أمام ناظري سماء ، ثم يمزقها بعنف ليلحقها بالقلادة لا ينبس ببنت شفة تدمع عيناه يخرج هاتفه من جيبه ، يعيد برمجته إلى اللغة العربية ، ويضع حقيبته في مؤخرة السيارة ، يتنهد بحرارة ثم يصعد جالسا بجانبها ، يحدق بها بتأثر عميق ، يغلق الباب ثم يقول لها قبل انطلاقهما معا هامسا بكل ما أوتي من لغته العربية المستعادة : أنت هويتي ومآلي … ص 238 ) من خلال هذه النهاية يختم الروائي حكاية البطل نور مهدي الشهدي بطريقة تكشف عن إصراره الأكيد على حتمية انتصار الضحية وتفوقها بالحق والعدالة والمنطق فهو يستدعي شخصية الجلاد المحتل صاحب الهوية المزورة في حوار صاخب مع صاحب الحقّ والأرض ضمن جدال يتمحور حول فكرة القتل وازهاق أرواح المدنيين وما يتبع ذلك من المرور على حي الشيخ جراح وأحياء غزة المنكوبة وهنا يطرح الروائي سؤال الضحية والجلاد من خلال حوار مُتخيّل بين البطل نور صاحب الهوية الأصيلة وأور شابيرا صاحب الهوية المزيفة ، فعندما يسأله أور ( هذا يعني أنك تؤيد قصف المدنيين الأبرياء وتدمير مساكنهم ص 233 ) يجيبه قائلا في عملية تصحيح لسؤال مغلوط ( … دعك من هذه الأسطوانة المشروخة فالأبرياء يُهجّرون من بيوتهم في حي الشيخ جراح الآن بسبب صواريخكم الجغرافية المقدسة ، كما ان غزة ستحترق بعد قليل بحمم قصفكم لها . ص 233 ) وهنا يصور الكاتب كيف يصرّ الجلاد على كون الضحية مجرم ارهابي وينزع عنه كل صفة إنسانية وكل هذا الصراع الملحمي يتضح من خلال الحوار القائم على التصادم بين حق الضحية وهويتها الوطنية ورؤية الجلاد وتبريره لعمليات القتل والابادة ( … لكنني اخشى من اختفائي أنا إذا ما أصبحت انت إنسانا … ص 234 ) .. في المرحلة الأولى من عملية تقمّص نور لهوية اور شابيرا يقول مخاطبا صاحب البطاقة المزيفة ( أرأيت أيها الأحمق .. أنت لست أنا .. فمن أنت ؟ أنا أنت أنا مرآتك … وفي مسعاه القناعيّ الأشكنازي هذا لم يتطاول نور بارتداء القناع واستخدام هويته المزورة إلا نادرا إذ كان يستخدم الاسم فقط وأما الهوية فكانت ملامحه ولغته العبرية كفيلتين بمروره الآمن إلى مقاصده الأثرية التاريخية الخاصة ببحثه عن أصول واقدار مريم المجدلية ، لم يعد نور يقيم عند الحافة بل في أعماق المركز مركز آخره الذي خلقه من النكبة والأزقة .. ص 63 ) لقد أجاد البطل في استخدام قناعه المزور والمكون من بطاقة الهوية وقلادة نجمة داود الذهبية بالإضافة لقدرته على إجادة اللغة العبرية وملامحه اليهودية مما مكنه من التجول بحرية في احياء القدس والتمتع بأجوائها الشاعرية والتنقل بين الدكاكين القديمة والشوارع التراثية ويؤكد الكاتب في هذه الزاوية عمق الانتماء العاطفي بين البطل وأحياء المدينة المقدسة وحاراتها فيما يشبه التناقض التام ما بين إحساس الضحية الأصيل ورموز الجلاد المزيفة حيث يستخدم خندقجي هالة المدينة المقدسة في اطار الصراع التقليدي بين الأصل والتزوير ( .. شعر بأن القدس بكامل أبهتها ترافقه متأبطة ذراعه ، أحس بأنه يتجول في قصائد كُتبت عنها وإليها ، هكذا هو عهده معها أنه يتخيلها لكي يعتنقها ويعشقها .. ص 97 )
ويستمر خندقجي في رسم ملامح صراع الهوية بين الجلاد والضحية في كل مراحل الرواية من خلال فقرات من الحوار المتكرر بين البطل وهوية القناع واصفا معركة ملتهبة في محاولة تحدي اثبات الذات ونفي الآخر وصراع التمسك بالأسماء فها هو أور يطلّ مُحتجّا من مخيلة البطل مستنكرا استخدام اسمه وانتحال هويته ( … أنا أور شابيرا ولست أنت يا .. صحيح قل لي ما اسمك أنت ؟ ص 11 )
يُمثّل الزمن للروائي خندقجي عاملا حاسما في الصراع بين الجلاد والضحية فهو مُختلف باختلاف المكان والحدث والشخوص ( … أجل يا مراد .. ثمة أزمان وأوقات متغايرة في هذا الوطن المنهوك نكبة وويلات ص 131 ) في معادلة الوقت والزمن والحالات المتغيرة يرسم نور لصديقه الأسير مراد صورة التحوّلات الزمنية بما في ذلك خصوصية الوقت في المدينة المقدسة في صراعها ضد الاستيطان والتهويد وخصوصية الوقت في المخيم والذي تحدده زوايا الأزقة الضيقة وشوارعها المكتظة وهناك ايضا وقت خاص لرام الله المدينة التي تُمثل بعضا من المظاهر السلطوية اما وقت المستوطنة المقامة على أراضي السكان الاصليين فهو وقت إحتلالي لا يواجه سوى بالمقاومة والنضال اما اوقات المواطنين والتي تمثل جزءا من حياتهم فهي تنتهك وتغتصب على حواجز الاحتلال المنتشرة على مفارق ومفاصل الشوارع والمداخل والمخارج … يصور الكاتب وقت الاحتلال من وجهة نظر الضحية اما الجلاد فيمتلك كل الوقت لكي يمارس عدوانه وجبروته ومحاولة استئصال الضحية ومحو روايتها الاصلية.
ويواصل الكاتب وصف صراع الهوية والجلاد من خلال صراع المُسمّيات فهي مستوطنة وليست كيبوتس لأن اسم مستوطنة يوحي بالطابع الاستعماري لدولة الاحتلال( .. وأما إطلاق مسمى مستوطنة فإن هذا يدل على الطابع الاستيطاني الاستعماري للدولة الصهيونية أجل انها مستوطنة ص 156 ) ، وفي معركة اثبات الوجود بين الضحية والجلاد يصف البطل الفلسطيني نور حياته بحجرات مختلفة الأماكن والمشاهد والتفاصيل ( … حسنا هأنذا في حجرة أخرى لأتأكد الىن أكثر من أي وقت مضى أن حياتي كلها حجرات حجرة في المخيم حجرة في القدس حجرة في مستوطنة مشمار هعيمق … ص 156 )
يكتب باسم خندقجي عن بطله ( نور مهدي الشهدي ) ابن المخيم وكل المخيمات سواء ويتحدث بصيغة الراوي الذي يعرف وجع المخيمات وأزقتها وتفاصيلها المختلفة ، كيف تتشابه من حيث معاناة اللاجئين وآلامهم وأوجاعهم فكل المخيمات تتخذ أسماءها بعد ان تصيبها المجازر بكوارثها فتُخلّف جرحا نازفا في ذاكرة الشعب وتحفر اسمها عميقا في أوجاعه المتكررة ( … ليس ثمة معنى لاسم المخيم الفلسطيني إلا عندما تُرتكب فيه المجزرة ليصبح اسما من أسماء المآسي في تاريخ الإنسانية ، يصبح اسمه مخيم تل الزعتر أو صبرا أو شاتيلا أو جنين أو الشاطئ ص 16 )
وباسم خندقجي الأسير الأديب يكتب عن معاناة الإعتقال والأسر وعن رحلة ذوي الاسرى لزياره أحبائهم القابعين في غياهب سجون الاحتلال حيث يصور والدة صديقه الأسير مراد وهي تعد العدة لزيارته الدورية ، بعاطفة صادقة يرسم الخندقجي صورة قوية لملحمة المعاناة التي لا تنتهي لأسرى الحرية وذويهم مُجسّدا عظمة الأم الصابرة وقوتها في تحمل هذا الكمّ الهائل من المعاناة والحزن والألم ( … هي الحاجة فاطمة الموسى أم عدلي المرأة الستينية بوجه يقاوم الزمن والأزقة ببدر ممتليء كسا وجهها ، لم لا ؟ فهي تستعد الآن والشوق يعبق بداخلها فبعد قليل ستمضي للزيارة ، زيارة ولدها المحكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة المعتقل منذ عشر سنوات في غياهب المعتقلات الصهيونية بتهمة تخطيط عمليات إطلاق نار ضد جنود الاحتلال وتنفيذها ولدها الأصغر مراد صديق نور الأوحد في هذا العالم … ص 17 ) وضمن إطار تمسّك الضحية بهويتها في مواجهة عنف الجلاد وأساليبه الاجرامية يُشكّل الكاتب الأسير من كلماته لوحات تصف معاناة ذوي الاسرى في سبيل زيارة أبنائهم ورؤيتهم من وراء حاجز زجاجي لدقائق معدودة ، لقد استطاع الكاتب باسم خندقجي كأسير محكوم مدى الحياة أن يصف بعاطفة صادقه هذه المعاناة الكبيرة ( رحلة الشتاء والصيف ) وأن يصور إصرار الجلاد على رؤية ضحيته تعاني عذابها وسجنها وموتها ولكنّ باسم خندقجي وبطله نور والأسير مراد يؤكّدون أن الضحية لن ترفع الراية البيضاء وستتمسك بهويتها النضالية ومقاومتها المشروعة ( … واجه مراد حديد المعتقل بإرادته الفولاذية وهزم غربته المريرة بالأمل المتدفق من حبر قلمه ليبارز الحرمان والانتزاع الحاد والممنهج للإنسانية من زمنها ومكانها .. ص 23 )
ولبطل هذه الرواية حكايات وقصص عديدة ترسم ملامح النكبة والمخيم والمعاناة وتصور بعضا من مشاهد القاء الحجارة على قوات الاحتلال وعمليات المقاومة الفلسطينية ولكنها قبل ذلك ترسم الملامح الإنسانية وروح التحدي لدى بطل الرواية والذي وصف الكاتب محطات حياته الهامة بعملية الولادة ( … لم يولد نور مهدي الشهدي مرة واحدة فقط ، بل ولد أكثر من مرة في اطوار حياته الزقاقية . أولها في الأول من نيسان عام 1991 عندما عاش هو وماتت امه نورا وأعوامها العشرين وضفائرها الذهبية وشمس اللد التي كسفت أثناء اسر ابيه الذي اعتقل بعد زواجه بأسابيع ليعود من السجن بعد خمسة أعوام مكسورا مخذولا مختلا صامتا مصموتا ، ولد نور مرة أخرى من صمت ابيه وعربة شايه وقهوته … ص 37 ) ومن حالات الولادة التي شكّلت هوية نور وشخصيته الخاصة علاقته بصديقه مراد ونجاحه في امتحان الثانوية العامة والتحاقه بسوق العمل .. ومن النقاط المهمة التي ركز عليها الروائي علاقة نور بالمخيم والمدينة حيث طرح مقارنة نوعية بين رام الله بمبانيها الضخمة كمدينة حديثة تمثل المحلات التجارية معلمها الرئيسي وبين القدس بهالتها المقدسة كمعلم تراثي وما تمثله من عبق تاريخي يزوّد البطل بكثير من الراحة والثقة والمتعة ( … اما في هذه المدينة الاسمنتية الكبيرة رام الله والبيرة أو البيرة ورام الله فهو لاجيء دون الأخذ بعين الاعتبار اذا ما كانت ملامح وجهه وطلته لا تبوحان بهذا يكفيه اغترابه عن هذه المدينة وميادينها وشوارعها الاصطناعية المختلة والمحتلة … ص 27 ) ويستمر صراع الهوية بين الضحية والجلاد ويبرز واضحا من خلاع صراع الانتماء للمدينة المقدسة بما تُمثّله من بعد ديني وحضاري وسياسي فأيهما يكون في القدس صاحب الهوية الرئيسية هل هو نور بمعاناته وكفاحه المرير ام هو اور شابيرا قناع الجلاد الذي استخدمه الضحية في رحلته مع الآثار والتاريخ ( .. عزيزي مراد .. هأنذا اجلس أمام سور القدس في ظهيرة نيسانية رمضانية ولا أعلم إذا ما كانت القدس ستمنحني ظلي أم ظلّ أور .. الذي ما إن انتحلت شخصيته مرتديا قناعه حتى انبثق منّي ليسير بجانبي .. ص 109 )
في رواية قناع بلون السماء يظهر المخزون الثقافي المميز للأسير الكاتب خندقجي من خلال استخدامه لكثير من أسماء الروايات والمراجع الثقافية والسياسية فهو يصوّر بشكل واضح نهم الأسير مراد وشوقه الدائم لقراءة المزيد من الكتب والروايات مؤكدا أن القراءة والتسلح بالوعي والثقافة طريقة مهمة من طرق الكفاح التي يتوجب على الأسير اتقانها ويحيلنا خندقجي هنا لفكرة مواجهة عزلة السجن ووحشية الجلاد وصنوف العذاب من خلال التسلح بالمزيد من الثقافة والوعي كي تستمر الضحية في معركتها ومواجهتها لعنف الجلاد وجبروته وقسوته وتظهر أسماء الكتب التي ذكرها الروائي كعلامات متعمدة ومقصودة كي تخدم النّص الروائي من خلال تنوعها ما بين فن الرواية والسياسة والثقافة العامة ( شيفرة دافنشي للكاتب دان براون ، قواعد العشق الأربعين للكاتبة اليف شافاك ، أولاد الغيتو للكاتب الياس خوري ، ذاكرة الجسد للكاتبة أحلام مستغانمي وكتاب فانون المخيلة بعد الكولونيالية للفيلسوف نايجل سي جيبسون وكتاب الحياة مفاضات للسياسي صائب عريقات وكتاب الدم المقدس والكأس المقدسة للمؤرخ مشيل بيجنيت كتاب الثقافة والامبريالية للمفكر الناقد ادوارد سعيد …. ) لقد أثار خندقجي الكثير من الأفكار والرؤي والتصورات السياسية والدينية وطرح عديد من القضايا الحضارية المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل ولكن دون أن تؤثر هذه الأفكار سلبا على السياق الروائي العام فنحن نلمح جيدا حكاية مريم المجدلية ونلمس بعمق معاناة الاسرى وذويهم ونشعر بمعاناة سكان حي الشيخ جراح .
ان فوز رواية قناع بلون السماء بالجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2024 يأتي تأكيدا للجهد الأدبي الاستثنائي الذي بذله الأسير باسم خندقجي من خلال الإشادة بتطور أدواته الروائية واهتمامه المؤكد بالعديد من الحقول الثقافية مما انعكس بالتأكيد على بنية الرواية كمصدر تعريفي بقضية وطنية مقدسة تظهر معاناة الأسير في معتقلات الاحتلال وتؤكد على احقية صاحب الهوية بالأرض رغم قوة الجلاد الذي يحتل الوطن ويحاول ان يدعم روايته الزائفة في البحث عن آثار تمت له بأي صله ولكن الانتصار يكون دائما من نصيب الضحية حيث تؤكد الآثار المختلفة صحة رواية الضحية ( … فهنا سيداتي وسادتي حيث تقفون الآن تقع أنقاض وأطلال القرية العربية الفلسطينية صرعة التي نُكبت وهُجر أهلها البالغ عددهم اربعماية نسمة في شهر تموز من عام 1948 بلى هُجروا وها هم الآن يقبعون لاجئين ولاجئات في مخيمات اللجوء ، لقد دمرت العصابات الصهيونية القرية لتشيد مكانها كيبوتس صرعة … ص 66 ) يمكن لنا ان نقول أن قدرة الكاتب على طرح أفكاره الوطنية المرتبطة بمشروع النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الذي يسعى لمحو الهوية الفلسطينية قد ساهمت بشكل واضح في حصول هذه الرواية على جائزة البوكر العربية حيث قال نبيل سليمان رئيس لجنة تحكيم الجائزة ( يندغم في قناع بلون السماء الشخصي بالسياسي في أساليب مبتكرة ، رواية تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى وعي الذات وعي الآخر وعي العالم حيث يرمح التخييل مفككا الواقع المعقد المرير والتشظي الاسري والتهجير والإبادة العنصرية ، كما اشتبكت فيها وازدهت جدائل التاريخ والاسطورة والحاضر والعصر وتوقد فيها النبض الإنساني الحار ضد التحوين ، كما توقدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوه البشر أفرادا ومجتمعات ، انها رواية تعلن الحب والصداقة هوية للإنسان فوق كل الانتماءات ) لقد نجح الكاتب باسم خندقجي في الخروج من سجنه والتحليق بعيدا في أجواء وطنه راسما روايته قناع بلون السماء بعيدا عن الشعارات السياسية الفجة مستخدما أسلوب المراسلات مع صديقه الأسير مراد واصفا فصول المعاناة الفلسطينية الصعبة مُتكئا على مخزون ثقافي كبير بحيث كانت رواية قناع بلون السماء عنوانا لانتصاره الحتمي كصاحب الهوية والأرض على عتمة السجن وجبروت السجان
بقلم : د. عمر الخواجا