الخميس, أبريل 24, 2025

قناة التقسيم الصوتي :

spot_img

تابعنا على :

ذات صلة

متفرقات أدبية :

عدسة الساحة : موجز ساحة الشعر والشعراء …

كتب : أنهآر   1- كثيرة هي حسابات الشعراء والشاعرات في الشبكة...

مواجهة الاغتراب في ديوان “جارة القمر” لكفاية عوجان

  بقلم : د. محمد حسين السماعنة. الأردن    يعد ديوان كفاية...

وين أبلقى هدو نفسي / الشاعر : ناصر بن مفلح

الحضور الجميل من شاعر يحمل الكثير من الابداع ويصنع...

أن تحب وتكتب حتى لا تجتث الصحراء روحك / محمد إبراهيم – #مصر

بقلم : محمد إبراهيم – مصر

أن تمر الأيام مر السحاب، ثم تتشكل غيومًا، وبداخلها يخترق الحب والحنين قلبك بسرعة وعنف كرصاصة؛ هكذا كان جريان الزمن. أن يتبادل القمر والشمس الأماكن في السماء؛ وأن تخبر حبيبتك أنك تكتب لها فتكتب؛ كمحاولة يائسة لاستعادتها؛ سمعتُ من مُدة من أحد الأصدقاء أن نيرودا قال أن الشعر يتدفق من الشاعر حينما يفقد الأمل، أو دعوني أذكر التعبير الذي استخدمه “حينما يُلقي البحار بالمجداف ويبدأ بالغناء”، هكذا هي الكتابة، حينما يتوقف كل شيء، وتصبح تائهًا في منتصف البحر، وتختفي اللاحظات القادمة من حياتك، تبدأ بالغناء حتى تسمع النار في قلبك النغمات فتهدأ قليلًا. أحبُ نظرة نيرودا للشعر، غير أن لي تجرِبة أخرى مع الكتابة، قلتُ من قبل أن نصفُ قصائدي أكتُبها هربًا من الموت، والنصفُ الأخر بكاء، حتى قصائد الحب والغزل. لكن مع الوقت بدأت الكتابة تتشكل في دقائق روحي حينما تعجز عن احتواء حبيبتي؛ حينما تضائل البلاغة بجوار حبيبتي أبدأ بالكتابة، الغريب في الأمر أني كنتُ أتعجب من فكرة الكتابة لشخصٍ بعينه، وذلك لأن الأشخاص مهما كانت مكانتهم يمكن أن تذهب اللغة إلى مسافةٍ أبعد، هكذا وبكل سهولة تحوي اللغة الأشخاص بداخلها وتعبر عنهم، وهكذا أرى أن الأشخاص أصغر من الكلمات. اختلف الأمر مع حبيبتي، واللغة التي كانت تستطيع أن تذهب خطوةً أبعد، أصبحت قاصرة.
من لحظة رمي المجداف، ومن تضاؤل اللغة، أكتب. للفتاة التي رأيتها للمرة الأولى تحت أشعة الشمس، الفتاة الدافئة كالقمح، الرحبة كالحقل، الجميلة كالرب، والذكية ككتاب مقدس يمد يده وقتما يموت الأمل.
شاهدتُ أطنانًأ من الأفلام، هكذا كنت أقول دائمًا، وهكذا قُلتُ للفتاة الذهبية، كانت فرصةً جيدةً لنتحدث في شيء مشترك، ونفتح أبواب عالمًأ نحبه سويًا.
في البداية قالت إيريك رومر، ثم قالت تيرانس ماليك، لم أكن أعرف أعمال هذان المخرجان في ذلك الوقت، لكني عرفتُ وقتها أن الباب الذي سنفتحه، سيطلُ على عالمٍ جديد، وأن حبيبتي ستكون قنديلًا يكشفُ لي دهاليز غابةً كنتُ أعتقدُ أني آلفُها.
بعدما دخلنا عالم الأفلام ووصلنا إلى قاع البئر، في المناطق الدفينة المظلمة البعيدة عن السواد الأعظم، فتحتُ معها باب الأدب فكانت نصًا، وفتحتُ معها باب الشعر، فكانت قصيدة، تُذيبُ الشعر، والشعر يُذيبُها.
عند نبضةً معينةً من نبضات الكون يتجلى أمامك العالم الحقيقي الذي يجب اكتشافه.
حبيبتي، يعني أن تكون الفتاة أبلغ من قصيدة، وأخف من ريشة، أرحم من قطرة مطر، وأرشق من مقامات البديع.
كان الذكاء السمة الأساسية التي تُكلل وجهها اللين. من قبلها لم أعهد هذا النوع من الردود والانفعالات، حتى في أكثر اللحظات صعوبةً وتوترًا، حبيبتي ! حتى القنابل كانت تلقيها ورود، والبراكين عنبر؛ كانت تحول السكاكين سكاكر، وتجعل الرصاصات حبات سكر.
حبيبتي: كعكة دافئة في ليلة قارصة البرودة، هكذا يجب أن يكون تعريفها؛ واضحًا كالشمس، دقيقًا كمعادلة رياضية، وبسيطًا كالماء كما يقول رياض الصالح.
أن يتبادل القمر والشمس الأماكن في السماء، شمس، قمر، هكذا كانت تمر الأيام في الجيش، تمامًا كما كنا نلعب ونحنُ صغار، وبالسرعة نفسها، وهمومنا المشتركة كانت تحمل عنا ومعنا، نحنُ أبناء البدلة الصفراء المموهة.
في الصحراء كانت الأيام تأكل الأيام
والضباب يبتلعنا بلا رحمة
أقفُ على عتبة الأشياء
ولا أرى إلا السماء، فارغةً
في لحظةً واحدة قد ألتقي برصاصة
أو أستلقي في أحضان حبيبتي
صوت القطار بعيد يجث الأسفلت من عظام الأرض
والطائرات تزأر في السماوات
هكذا أرى الحرية
قطار بعيد وطائرة أبعد
بلا سور
يتثاقل الحمل على الأيام
فتجر أقدامها على وجهي
بلا مراعاة للحزن الذي يأكل قلبي بشراهة.
هكذا كانت الأيام في العزلة، محاولات بائسة للحفاظ على النفس من التغير، كنتُ أمسك الكلمات حتى أجد نفسي القديمة، وأكتب لحبيبتي حتى أشعر بالأُلفة.
كان القطار يدوي من بعيد
وحبيبتي كالنجوم بعيدة
والذكريات تلمع وتنطفئ داخلي
رأسي ثقيلة
وزمني غريب
التأهب سيد الموقف
والأمل كارثة
هكذا يتكرر كل شيء
الأيام، والأفكار.
عن الحب وعن الحياة كنتُ أكتب، وأكتشف اللغة، في أحد الأيام المكررة، وجدتُ كلمة في كتابٍ يشرح فيه القاضي الزوزني المعلقات السبع انتبهتُ لها، وهي كلمة “زائر” هذه الكلمة التي نستعملها كإسم فاعل للشخص الذي يأتي إلى مجالسنا، والذي بيننا وبينه مودة، في هذا اليوم عرفتُ أن كلمة زائر كانت تُستعمل عند العرب مع الأعداء لا الأصدقاء، وعرفتُ أن الزائر هو الشخص الذي ينوي على الشر، ومن هنا سماه العرب زائر، والاسم كما هو واضح مُصرف من زئير الأسد. أتصلتُ بحبيبتي في ذلك اليوم، وأخبرتها عن معنى الكلمة التي عرفتُها، ثم أغلقتُ الهاتف. ومن الكلمة خرجت الكلمات، وكتبتُ لمن أغلقتُ الهاتف معها هذا النص حتى هذه الفقرة، كتبتُ حتى لاحظتُ نجمةً حمراء كانت تلمع بشدة، في هذه اللحظة انذوى كُل شيء، واختُذلت الحياة لحدودها القصوى، كانت الغربة ثقيلة، والوحدة باردة كالثلج، فتوقفت عن محاولات التشبث بحبيبتي وبالكلمات، وتركتُ القلم لجلسة بكاء أخرى، وألقيتُ نفسي على مائدة الحياة.

.

بقلم : محمد إبراهيم – مصر

.

.

spot_imgspot_img