اعتزلتْ المسرح .. لكنها مازلت مؤمنة بالفن ورسالته
حوار/ محمد عبد الشافي القوصي.
أكدت الشاعرةُ المغربية الدكتورة/ فاطمة عبد الحق- أنَّ الإبداع الجيد يفرض نفسه بقوة، مهما تجاهله النقاد، ومهما أدارت ظهرها له وسائل الإعلام، وقالت إنها ترفض تقسيم الأدب إلى أدب “نسوي” وآخَر “ذكوري”، لأنها تقسيمات غير صحيحة على الإطلاق، مشيرة إلى أن المغرب يشهد حراكاً ثقافياً ملحوظاً تتعايش فيه كافة التيارات والمدارس الأدبية، وتزدهر فيه مختلف الأجناس الأدبية من شعر وقصة ومسرح، لافتة النظر إلى أن جائزة (نوبل) من المستبعد أن تعود مرة أخرى للعرب بعد نجيب محفوظ، أو على الأقل خلال السنوات المقبلة طالما ظلت النظرة الغربية إلى العرب تحمل هذا الطابع العنصري! وداعية إلى الانفتاح، وكسر طوق العزلة، لأنه إذا كان المبدع في عزلة عن المجتمع فسيكتب لنفسه فقط, ولن يقرأه الآخرون، فالمبدع فرد من المجتمع همومه الشخصية تمتزج بالهمّ الجماعي لتخرج إلى الآخر إبداعاً راقياً يمتزج فيه الذاتي والموضوعي وهذا شرط أساسي في الإبداع. وقالت إنها مازلت مؤمنة جداً بالفن ورسالته، وعندما كانت تمثّل في المسرح المغربي شهد الجميع بحضورها على خشبة المسرح, موضحةً أنَّ سبب ابتعادها أنها كانت مطالبة بتقديم مشاهد خارجة لا ترضيها وغير مقتنعة بها على الإطلاق … وإلى التفاصيل:
المعركة مع الفرانكفونية
بداية، ما هو تقييمك للواقع الثقافي والأدبي في المغرب؟
المغرب يشهد –الآن- حضوراً قوياً للرواية والقصة والمسرح، فكل الأجناس الأدبية حاضرة وبشكل فاعل، ولدينا مهرجانات خاصة بكل شيء, وهناك مختلف الاتجاهات والمذاهب الأدبية والمدارس الشعرية، وبالنسبة للتيار الأصيل فيحتاج إلى مزيد من الدعم، خاصة في ظل معركتنا المحتدمة مع الثقافة الغازيَـة، ومشاركة المرأة في الحقل الأدبي مفيد لمواجهة الكتابات العلمانية التي تهاجم القيم والأعراف الأصيلة.
حكاية الجوائز الأدبية
يلاحظ أنه بالرغم من وجود إبداعات أدبية وثقافية رائعة بالمغرب في السنوات الأخيرة، إلا أننا لم نسمع عن نيل أحد الأدباء لجائزة كبيرة؟
مسألة الجوائز تدخل فيها أمور أخرى كثيرة, لا تخفى على عاقل، وكون الغرب قد أعطى “نجيب محفوظ” جائزة نوبل في الأدب فهي كانت نادرة أو فلتة أنهم أعطوها لعربي, فنحن نحترم إبداعه، ولكني أظن أنها مسألة صعبة أن تتكرر نوبل مرة أخرى للعرب على الأقل خلال السنوات القادمة طالما ظلت النظرة الغربية إلى العرب تحمل هذا الطابع الدونى والنظرة العنصرية.
موجة لا أخلاقية
بماذا نفسّر اتجاه بعض الشعراء المغاربة للهجوم على المقدسات والرموز الإسلامية؟
هذه موجة لا أخلاقية، وآفة شاذة سرتْ في كتابات دعاة الخروج على أسس وقواعد المجتمع، بحسب أن الجميع يستهجنها، وضمن بحثي في رسالة الدكتوراه وجدت بعض الشعراء المغاربة لديهم نزعة هجومية ضد ما هو مقدس, وهم قلة من التغريبيين موجودين في وطننا العربي يبثون سمومهم الهدامة، وقد تم فضحهم واكتشاف نواياهم، لأن الجميع يرفض مجرد المساس بالمقدسات والرموز الإسلامية، وعلى المثقفين والأدباء محاصرتهم أدبياً حتى يتراجعوا عما خاضوا فيه.
أبناء “سيبويه”
هناك مقولة تتردد بأن~Q المغاربة هم أبناء “سيبويه”، ما هي دلالة هذه العبارة؟!
إنهم يريدون أن يشيروا إلى ضعف ارتباط مبدعي المغرب باللغة العربية؟ لكنني أحب أن أوضّح أن هناك أموراً كثيرة ينظر إلينا فيها المشارقة من منظور خاطئ، لأنهم لا يطلعون على إبداعاتنا وكتاباتنا، فهناك مغاربة يكتبون بلغات أجنبية خاصة في المهجر، ولكن من يكتب في المغرب بالعربية يكتب بلغة صحيحة، أما عن قول البعض عنا إننا أبناء “سيبويه” فربما تكونت هذه الفكرة لتعدد اللغات عندنا.
مسميات مغلوطة
هناك من يقسم الأدب إلى أدب نسوي، وآخر ذكوري، فما رأيك في هذه التسميات؟
بالطبع هي مسميات مغلوطة، وأنا أرفض هذه التقسيمات بشدة, وأرى أن الأدب في شموله أدب إنساني، لأن هذا التقسيم يؤدى إلى تعميق الهوة بين الرجل والمرأة ويؤدي إلى زيادة التناحر وتفتيت المجتمع، فأدب المرأة لا توجد له مميزات خاصة عن بقية أنواع الأدب الأخرى، لأن الفكرة لا تختلف بين المرأة والرجل في الأمور العامة وإنما الرؤية واحدة. بل إن أفضل الكتابات الخاصة بالمرأة أبدعها الرجال أمثال: إحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ونزار قباني، وفاروق جويدة، وغيرهم.
من وجهة نظرك- ما هو سبب غياب القصيدة المغناة عن الساحة الفنية؟
المشكلة أن أغلب كُتّاب الأغنية يكتبون بالعامية خاصة في مصر, أما الأدباء الكبار فلا يهتمون بأن تغنى قصائدهم ولا يبحثون عن الأضواء وبعيدون عن الفن، ربما بسبب مسألة المباح والمحظور خاصة بالنسبة للشعراء الإسلاميين.
رسالة المثقف تجاه المجتمع
برأيك، ما هو دور المثقف نحو مجتمعه في الوقت الراهن؟
دور المثقف تجاه المجتمع، لا يمكن أن ينحصر في زاوية بعينها، أو في رؤية ما، بل يتسع ليشمل سائر ميادين الحياة، باعتباره المرشد والموجه والمربي، وعليه أن يختلط بالناس ويعايش همومهم ويستمع شكاواهم، أما إذا كان المبدع في عزلة عن المجتمع فسيكتب لنفسه فقط, ولن يقرأه شخص آخر، فالمبدع شخص من المجتمع همومه الشخصية تمتزج بالهم الجماعي لتخرج إلى الآخر إبداعاً راقياً يمتزج فيه الذاتي بالموضوعي، وهذا شرط أساسي في العملية الإبداعة.
أولى قصائدي عن فلسطين
الشاعرة “فاطمة عبد الحق” كيف جاءت بدايتك مع الأدب والشعر؟
في بداياتي لم أنوِ ولم أقرر أن أكون شاعرة، فكنت منذ صغري أعشق بشدة الأدب العربي، وكان جليسي الوحيد هو الكتاب، فاكتسبت ملَكة اللغة العربية كما أن دراستي أعطتني كم كبير من المفردات اللغوية بجانب قراءاتي المكثفة للقصص والروايات، وبالفعل استطعت أن أخوض التجربة .. فكتبت بعض القصص الطويلة، وكانت أولى قصائدي عن فلسطين وعمري حينئذ 13 سنة، وهى القصيدة الوحيدة التي كتبتها مع سبق الإصرار والترصد! ثم واصلت المسيرة الإبداعية والرحلة الشعرية، وقد صدر لي أول ديوان عام 1995 تحت عنوان “زمن الانتظار” إلى جانب مجموعة من الكتب النقدية.
خنساء المغرب
باعتبارك شاعرة ومبدعة .. هل لكِ طقوس معينة عندما تمارسين العملية الإبداعية؟
ليست طقوساً بالمعنى الأكاديمي، لكن هناك بعض الأشياء التي قد تعتري الإنسان عندما يتهيأ للعمل الفكري والإبداعي، فمثلاً إذا لم أكتب أشعر أنى في حالة مرضية مزمنة, وأشعر بوحدة رغم كوني وسط الملايين وهى حالة مشتركة مع كل الأدباء, وحين أكتب القصيدة أشعر وكأني أزلتُ عن كاهلي حملاً ثقيلاً جدا, وأذكر أنه عندما أبدعتُ قصيدتي “المقصلة” وألقيتها في أحد المنتديات الأدبية، ونالت إعجاب الجمهور والنقاد من حيث الشكل والمضمون والإلقاء فأطلقوا عليّ لقب “الخنساء” من ذلك اليوم!
الكتابة من منظور إيماني
ما هو المذهب الأدبي، أوْ ما هي المدرسة الشعرية التي تنتمين إليها؟
لا أحب التجزئة، أو التحزّب، لأنها لا تخدم قضايا الثقافة على الإطلاق، فأنا لا أنتمي لمدرسة شعرية بعينها, فأنا أكتب الشعر ومن أراد أن يصنف فليصنف, أما بعض اليساريين في المغرب الذين قالوا بانجذابي للتيار الإسلامي، وأنا أرد عليهم بأني أكتب من منظور إيماني وتوجهي إلى الإسلام يدفعني إلى هذا الإبداع الملتزم, فأنا أكتب خارج التصنيفات.
لي أسلوبي الخاص
الأديبة د. فاطمة عبد الحق- هل هناك نموذج أدبي معين تحتذين به؟
ليس هناك نموذج واحد أحتذي به, فدائماً اقرأ لجميع التوجهات, ومختلف الآراء، سواء, وأتأثر بمن تثيرني أفكاره وتهزني معانيه، وأهضم كل هذه الآراء والاتجاهات بداخلي، لكني في النهاية أعبّر بطريقتي الخاصة التي تميزني عن الجميع, ومن هنا ظهر أسلوبي الخاص.
القصيدة تكتبني
قدمت مختلف الأشكال والقوالب الشعرية المتباينة ما بين الخليلي، والتفعيلة، والنثر, فهل هذا متعمّد، حتى لا تلتزمي بمدرسة معينة؟!
أنا لا أخطط للقصيدة مسبقاً، فهي تأتيني في عبارة إيقاعية أو بارقة معينة، قد تهرب مني القصيدة في البداية، فأنتظر عودتها بعد فترة, بعدها أجد نفسي منخرطة في حالة من الهوس, آخذ القلم وأعيش مع القصيدة في حالة من الإطلاع على ما هو داخلي, ثم تخرج القصيدة بالشكل الذي يرضيها هي وليس الذي يرضيني أنا سواء خرجت عمودية أو تفعيلة أو نثرية .. فالقصيدة تكتبني!
رسالة الفن
عملتِ من قبل فنانة مسرحية بالمغرب, فما هو سرّ ابتعادك عن الساحة الفنية؟
أنا مازلت مؤمنة جداً بالفن ورسالته، وعندما كنت أُمثّل في المسرح المغربي شهد الجميع بحضوري على خشبة المسرح, وسبب ابتعادي أنني كنت مطالبة بتقديم مشاهد خارجة لا ترضيني، لكنني مستعدة لخسارة العالم كله ولا أخسر نفسي وعقيدتي الإسلامية, أمّا إذا كان العمل الفني راقي، فأنا مستعدة لتقديمه على الفور.
انتهى .