يقول الشاعر :
كيف نخفي حبنا , والشوق فاضح .
ونقول :
كيف نخفي بعضنا ,
و “الشعر” , فاضح !! ( بتصرف )
عندما كتبت عن نفسها شعراً , لم تكن تعلم أنها تكتب نفسها للآخرين . كذلك
هو عندما كتب الشعر لم يكن يعلم أنه بدأ في الكشف عن بعض أسراره الخاصة
لبعض القرّاء .
وأقول ( لبعض القرّاء ) لأن ليس كل من يقرأ الشعر يبحث عن الشعر .
يقال أن هذا هو الخطر الأكبر في الكتابة وفي الشعر خصوصا , ربما لأنه لغة
الشعور لدى الشاعر ويستمد كل طاقاته ومجموعة الأحاسيس فيه من مشاعر ذلك
الشاعر الذي يكتب لهدف محدد ولا يدري أنه يرمي الكثير من المفردات أو
الجمل أو الأبيات بطريقة عفوية وعن غير قصد ليكشف للقارئ الكثير من
الأشياء المغلفة بالشعر .
هناك من يقرأ الشعر قراءة شكل خارجي وظاهري فقط . وهناك من يقرأ الشعر
بطريقة أخرى , ولعل أجمل تسمية لها هي طريقة البحث عن الجمال . وقد تكون
هناك مجموعة تقرأ الشعر بطريقة الكشف والبحث عن الأسرار الخاصة في الشاعر
والحالة الشعرية للنص .
وهكذا , تكون هذه الأخيرة هي الآلية الأصعب في قراءة الشعر , خصوصا أنها
من أجمل آليات القراءة والنقد في كثير من الحالات الشعرية , ولا تنطق هذه
الفكرة أو القراءات النقدية على كل ما يكتب من شعر , فكثير من الأحيان
تقرأ قصيدة كاملة وتكون النتيجة النهاية لا شعر ولا هم يحزنون .
القصيدة المطابقة لهذه الحالة هي القصيدة الشخصية أو القصيدة الحالة ,
وهي تكون في كل لغة وفي كل شعر سواء كان الفصيح أم الشعبي , العمودي أم
الحر وربما تكون في كل عمل أدبي شخصي أيضا .
من بعض ملامحها هي الرمزية . عادة لا تكون هذه الكتابة واضحة للقارئ .
يحتاج فيها القارئ العادي ويتوقف عندها القارئ الباحث عن الجمال أو
الباحث عن السر من وراء وجود هذه القصيدة ! .
من ملامح هذا اللون من الشعر هو الدهشة , قد تستوقفك الكثير من الأبيات
في قصيدة تراها كُتبت بطريقة مبسطة أو طبيعية . ولكن يدهشك وجود هذا
الشطر أو البيت أو ربما وجود بعض المفردات في هذا المكان تحديداً من
القصيدة . وتبدأ في السؤال والبحث لتجد أنك أمام عمل كتب بالكثير من
الشعر وأظهره الشاعر بدون أي قصد منه بهذه العفوية .
هذا اللون من الشعر لا يوجد بكثره إلا عند أصحاب المعاناة . والمعاناة
لها أشكال كثيرة لعل من أبرزها المنفى والمهجر والإضطهاد والفراق والمرض
والفقر والظلم وكل معاناة سوداء هي سبب في الإبداع عند الشاعر .
تستطيع من خلال قراءة الكثير من قصائد الشاعر الواحد البحث عن فكرة مكررة
أو معاني مكررة بمفردات مكررة للوصول إلى قضيته أو معاناته من خلال شعره
.
ولضرب بعض الأمثلة حول هذه الحالات نقرأ في شعر ذلك الشاعر الذي يبحث عن
وطن وآخر يبحث عن جنسية وطن . سنجد المعاناة عن الأول حقيقية ولها دوافع
كبيرة تخلو من الكذب وتحمل الكثير من الصدق والحس الصادق . في حين يكون
الثاني متلبسا ً للحالة لا يستطيع الاستمرار بنفس وتيرة الصدق والشعور في
أكثر قصائده ونصوصه .
والحالة الثانية , عندما تقرأ قصيدة مدح لأحد الشعراء لحاكم أو صاحب نفوذ
مثلا , تجد أن الكثير من الشعراء يقعون في خطأ القسم بأنه لم يكتب هذه
القصيدة بنية البحث عن المال . مع العلم بأنه لا يوجد شخص طالب الشاعر
بالقسم أو قال بأنه يبحث عن المال من خلال هذا المدح ! .
هذا القسم يوحي بأشياء خاصة في نفس الشاعر ولعل أولها هو عدم اقتناعه
بالمدح أو الممدوح أو هذا اللون من الكتابة وربما الموقف الشعري بأكمله .
كذلك من عاش لحظة الفقد , فهنا تختلف الحالات ففقد الأم ليس كفقد الحبيب
والأخير ليس كفقد صديق وهكذا , تتكون الحالة ويتكون الشعر حسب منزلة
المفقود وربما تتشكل المفردات بناء على هذا الأساس في كثير من الحالات .
وما عليك إلا قراءة الشعر فقط والبعد عن قراءة الشكل المكتوب والمنقوش
على ظاهر الورق .
ومن هنا تأتي عملية الجمال في قراءة الشعر , فقصيدة واحدة ربما تقضي معها
الكثير من الوقت في البحث بين المفردات وبين الأبيات عن أشياء لم يقلها
الشاعر ولم يعلنها . ربما تركها للقارئ لمشاركته في النص أو ربما تكون
فهم خاص في القارئ لما يقرأ ويختلف الفهم والتأويل من قارئ لآخر ويبقى
النص إضافة له .
كثيرة هي النصوص والقصائد التي تحمل الكثير من الفكر والجمال بين طياتها
وأكثر منها تلك التي لا تحمل إلا الشكل فقط . فما عليك إلا البحث عن
الشعر ليظهر لك الفرق بين الشاعر وغير الشاعر في عالم الشعر .
بقلم : فيحان الصواغ
تويتر : @fai7aan