أنهآر – متابعات :
غادة السمان: سعاد شاعرة من فئة نادرة
الفرنسي (ماتيو ستريكو): أعمالها، مواقفها النضالية، نفَسها الشعري.. يضعها في مصاف الأصوات العربية الكبرى
استكمالاً لسلسلة (سعاد الإنسانة عاشقة الوطن)، صدر الجزء الرابع من هذه السلسلة، في محاولة لتوثيق ورصد الحياة الثقافية للدكتورة سعاد الصباح على مدى أكثر من نصف قرن، كشاعرة، وباحثة اقتصادية وتاريخية، وكاتبة، وناشطة في مجال حقوق الإنسان، وممولة للكثير من الأنشطة الثقافية والإنسانية.
وتضمن الجزء الرابع العديد من المقالات، التي تناولت الجوانب الأدبية والمعرفية والشخصية للدكتورة سعاد الصباح، وإنجازاتها على مدار سنوات طويلة، مع ما رافقها من أصداء أثارها نشاطها الأدبي والفكري والمجتمعي والخيري والمادي الذي امتد على الساحة العربية كلها، بل نفذ إلى العالمية. ولذلك جاءت هذه المقالات بمثابة مرآة عاكسة تقدم للأجيال الجديدة صورة بانورامية لإنجازات سعاد الصباح، شارك في تشكيلها نخبة من الكتّاب العرب.
وفي هذا المجال، ترصد الروائية المعروفة غادة السمان اختلاف سعاد الصباح عن الكثيرات والكثيرين ممن يتصيدون في الماء العكر، إذ تؤكد أن “سعاد الصباح شاعرة من فئة نادرة تفيض وداً وعطاء على غير صعيد، ولا تريد مقابل عطائها غير أن يُحسن الآخرون تقبله، ويكونوا على مستواه إنسانياً، وإذا تعذر ذلك فالمطلوب كف أذاهم عنها لا أكثر”. وتضيف: “وسعاد الصباح الواثقة من نفسها وعطائها، المتدفقة إنسانية، ليست من فئة اللواتي لا يمتدحن كاتبة إلا إذا كانت ميتة أو متوقفة عن الكتابة منذ ربع قرن أو مغمورة أو رديئة أدبياً بحيث لا يغصون بحرفها ولا يثير حسدهم وحسهم بالدونية“.
بدوره، علّق الكاتب ياسين رفاعية على منع الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح من نشر قصائدها ومقالاتها في ثمانينيات القرن الماضي، فقال: ” على حد علمنا، فإن سعاد الصباح رفعت اسم الكويت عالياً في كافة المجالات، واستطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تثبت دوماً في حركة الثقافة العربية في مختلف أنحاء الوطن العربي، عبر جوائز مالية لإبداعات الشباب… إن قصة سعاد الصباح واحدة من عشرات القصص التي يجب على المثقفين العرب إثارتها على مختلف الأصعدة، حتى نمنع قدر الإمكان السيف من جز رقابنا“.
ملمح شخصي وخاص يرصده الروائي يوسف القعيد في شخصية الدكتورة سعاد الصباح، فيقول: ” سعاد الصباح تجيد الاستماع وتتكلم في أضيق الحدود الممكنة. وإن تكلمت استخدمت كليمات معدودة وتبدو على وجهها دائماً طبقة من الحزن مثل ضباب الصباح. وهذا يدفع الناس إلى التساؤل عن سبب حزن هذه الإنسانة التي يقال عنها في بلدها شيخة وتعد من الأميرات“.
أما الشاعر الراحل فاروق شوشة، فيبدي نظرة حاذقة في ديوان سعاد الصباح (والورود تعرف الغضب)، إذ يقول : ” هذا الشعر هو السهل الممتنع، يظن الجاهل أنه يمكنه أن يأتي بمثله، لكنه أبداً لا يستطيع، لأن وراء هذه السهولة، وهذه السلاسة، وهذا التدفق، رحلة معاناة طويلة مع الكلمة حتى لانت وأصبحت طيعة، ورحلة شعرية حافلة بالتجريب والمغامرة، تنطلق من أفق إلى أفق، ومن مدى إلى مدى، ومن فضاء إلى فضاء، زادها روح مفعمة بالكبرياء، ويعصمها من الزلل حساسية شعرية مرهفة، تميز بين الشعري واللا شعري، وتعرف المشي بخطوات واثقة على البرزخ الفاصل بين تخوم النثر وتخوم الشعر”.
الأكاديمية والناقدة الدكتورة نورية الرومي تبرز من جهتها سبب الحضور الطاغي للدكتورة سعاد الصباح عربياً، إذ تشير إلى أنها “امرأة استثنائية على أصعدة مختلفة، فهي متنوعة المجالات، كثيرة الأنشطة على المستوى المحلي والعربي والعالمي، مما جعل لها حضوراً عربياً وعالمياً لافتاً في مشاركاتها الفاعلة في الدفاع عن مبادئها الوطنية والقومية. فقد حملت -عن مبدأ ثابت- الدفاع عن حق الإنسان العربي والإنسان في شتى بقاع العالم في المحافل والمنتديات الأدبية والفكرية العربية ذات الطابع الدولي، وهي بذلك لبنة من لبنات بناء صرح التنمية الثقافية والإنسانية، وهي أيضاً علامة بارزة من علامات الحركة الشعرية في الكويت والوطن العربي“.
لم يقتصر أثر سعاد الصباح على المثقفين والكتاب العرب، بل امتد إلى الأفق العالمي، فقال عنها الكاتب الفرنسي (ماتيو ستريكو): “أعمالها، مواقفها النضالية، نفَسها الشعري.. كل شيء في منجز سعاد الصباح يضعها في مصاف الأصوات العربية الكبرى في عصرنا هذا. ولأنها متيقنة بأنها ساهمت ولو بالقليل في الإرث العالمي، تحمل هذه المرأة النموذجية متعددة المواهب في قلبها أملاً في أن تواصل الأجيال اللاحقة العمل الذي بدأته هي”. أما ابن جلدته المؤرخ الفرنسي (لورون دو سانبيريه) فكتب عنها قائلاً: “متحررة بحزم، عربية بقدر ما هي كويتية، متجاوزة لكل عقبات المجتمع والجنس ومتغنية بحبها للتقاليد، تقدمية بعزم لكنها متوجسة من الحداثة المادية السامة“.
ليس ما عرضنا له إلا غيض من فيض مقالات للكثير من الكاتبات والكتاب العرب، الذين وقفوا في هذا الكتاب عند الجوانب المتعددة لشخصية الدكتورة سعاد الصباح، فجاء الجزء الرابع من (سعاد الإنسانة عاشقة الوطن) كجزء هام من اللوحة التي ساهمت الأجزاء السابقة في رسمها للدكتورة سعاد الصباح.