الخميس, نوفمبر 21, 2024

قناة التقسيم الصوتي :

spot_img

تابعنا على :

ذات صلة

متفرقات أدبية :

المثقّف الهشّ والاستشراق البشع عزالدين عناية* / إيطاليا

بقلم : عزالدين عناية* يَنبت مثقّف المهجر بمثابة الفسيلة البريّة...

(آخر كلام) نجم عبدالكريم.. جرعات ثقافية في كبسولات جمالية..

أنهآر - متابعات : (آخر كلام) كتاب للدكتور نجم عبدالكريم،...

صدور الجزء الخامس من (سعاد الإنسانة عاشقة الوطن) …

أنهآر - متابعات : نخبة من 70 مثقفاً ترصد المسيرة...

سعاد الصباح تنبش أوجاعنا المزمنة في (الأسبوع 6 أيام)..

أنهآر - متابعات : كتبت عن غزة قبل 36 عاماً...

محاكمة كاتب / بقلم : محمود محمد القليني ..

 



– أتمانع في إجراء تلك المحاكمة ؟
– لا ، ولكن قبل ذلك ، هل أنت الذي ستجري المحاكمة ؟!
– نعم .
– بأي صفة ؟
– بصفتي قارئ ، فأنا تقريبا قرأتُ كل ما كتبته .
– وهل من حق القارئ أن يحاكم الكاتب ؟
– لنقل يحاسبه بدلا من يحاكمه ، إن كنت ترى في كلمة ( يحاكم ) ظلالا غير كريمة .
– وهل من حق القارئ ان يحاسب الكاتب ؟
– ولم لا.
– المحاكمة أو المحاسبة تتضمن نوعا من الإدانة ، فهل أنا مدان ؟ !
– المحاكمة – أي محاكمة – قد تثبت وتوجب البراءة ، وكما يقولون : المتهم برئ حتى تثبت إدانته .
– ولكنني لستُ محل اتهام من أي نوع .
– لنقل الإنسان – أي إنسان – برئ حتى تثبت إدانته .
– على هذا البراءة ليست في حاجة إلى إثبات ، الإدانة هي  التي في حاجة إلى دلائل وبراهين ، فلكي تحاكمني أو تحاسبني أنت في حاجة أن تقدم إدانة ، ولكي يُسمح لك بالبحث عن هذا ، لابد أن أكون قد ارتكبت جرما ، وأنت تحاكمني أو تحاسبني على كوني كاتبا ، فهل الكتابة نوع من الجرم يستدعي الإدانة ،وبالتالي يستوجب المحاكمة ؟!
– نعم ، أحيانا الكتابة تعتبر جريمة ، بل التفكير – في حد ذاته – يعتبر جريمة .
– دليلك على ذلك .
– (سقراط ) الفليسوف اليوناني ..أعدم ، نعم طريقة إعدامه كانت في قمة الذوق والشياكة بأن تجرع السم بنفسه  ، ولكنه في النهاية أعدم ، وكثير من الكتاب سُجنوا وعُذبوا ونُكل بهم لأنهم كانوا كتابا ، وأنت أدري مني بهؤلاء .
– ولكن هؤلاء لم ينالهم ما نالهم لأنهم كتاب ، ولكنهم لأنهم عارضوا ،  بدليل أن غيرهم لم يحدث لهم شيء، فالكتابة في حد ذاتها لا غبار عليها ، ولكن الخلاف في مضمون الكتابة .
– إذن لنجعل المحاكمة على مضمون الكتابة .
– على هذا  أنت لا تحاكمني أو لا تحاسبني لكوني كاتبا ، ولكن في مضمون ما أكتبه؟
– فليكن .
– حتى في هذا أنت لا تملك المحاكمة أو المحاسبة في مضمون ما أكتبه .
– وماذا أملك إذن ؟! وما حقي ؟!
– حقك الاحتلاف مع ما أكتبه .
– فقط !! هذا كل ما أملكه ؟!
– وأنا لا أملك أكثر مما تملكه .
– ماذا تملك ؟!
– أعرض وجهة نظري ، لك أن تقبلها ولك أن ترفضها .
– وهل تقبل رأيي ؟
– أنا حر ، وهل أنا أجبرتك على قبول رأيي ، نحن الاثنان يضمنا إطار الحرية ، أنا حر في إبداء رأيي ، وأنت – كذلك – حر في رفض أو قبول هذا الرأي .
– ولكن أنتم – معشر الكتاب – تتوافر لكم كل السبل والطرق في عرض وإبداء رأيكم من وسائل إعلام ، وكذلك تملكون القدرة والمهارة في إبداء رأيكم ، بينما نحن – القارئين –  لا نملك مثل تلك الوسائل ، وليس لدينا القدرة أو المهارة في عرض الحجج والبراهين.
– وهذا هو الفرق بين كوني كاتبا وكونك قارئا .ومع ذلك فكوني كاتبا لا يكتمل ولا يتحقق إلا بوجودك أنت ، شهادتك هي التي تقويني وتعززني وتمنحني القدرة على الاستمرار
– إذن أنت تحتاج إلى رأيي فيما تكتب ؟
– مؤكد .
– إذن دعني أسألك بعض الأسئلة ،وليتسع صدرك لي .
– تفضل .
– قبل أن تكتب هل سألت نفسك ماذا أريد أنا بصفتي قارئ ؟
– صراحة .. لا .
– وما أدراك أن ما تكتبه يسد حاجتي ويلبي رغبتي .
– بداية …فلتعلم أنني لا أكتب لك .
– ولمن تكتب إذن ؟!
– أكتب لنفسي ، فأنا أول قارئ لما أكتبه ، وأحاول أن أرضي هذا القارئ داخلي ، وهو قارئ من العسير أن يرضى  ، وهو غضوب متمرد ثائر ، وكثيرا ما نشأت مشاحنات ومعارك وخلافات ، بين القارئ والكاتب داخلي ، وتنتهي المعارك بأن يغضب ويتبرم القارئ ، ويثور وينسحب الكاتب ، ويمزق كل ما كتبه ، وأحيانا يرفض الاستمرار ويعرض عن الكتابة ، وما أكتبه هو هو خلاصة تلك المعارك بيني وبين القارئ داخلي .
– وأنا ؟!
– أنت ستشرب القهوة الآن ؛ لأنني أشعر أنك بدأت تفقد حماسك ونشاطك .
– وبعد أن أشرب القهوة ؟
– تواصل ما تدعيه أنه محاكمة أو محاسبة .          


spot_imgspot_img